الطقطوقة الجبلية

 الموضوع منقول عن منتديات "ستار تاونات"
سميت بالطقطوقة الجبلية تمييزا لها عن باقي الأجناس الأخرى من الفنون الغنائية بالمغرب، وقد اختلف الباحثون و"المعلمين" في أصل التسمية، منهم من يرجع ذلك إلى الإيقاع الذي تتميز به الأغنية الجبلية "طق طق" ومنهم من يربط هذه التسمية بطلقات البنادق أثناء الحروب والحفلات التي تقام خلال المهرجانات الشعبية والمناسبات.

تتألف الأغنية الجبلية من قسمين أو ثلاثة:

الريلة : موضوع الأغنية الذي يجب أن يصل إلى المتلقي حاملا عدة معاني ورموز الحالات النفسية والروحية، مثل الفرح و الحزن - السعادة والألم -... وغيرها، كما أنها تحمل أخبار المعارك والحروب - الانتصارات والهزائم، وتحمل كذلك بين طياتها مواضيع التغني بجبال الطبيعة والغزل، وهي المحاور الثلاثة التي تشتغل عليها الطقطوقة الجبلية كصنف من أصناف العيطة أي النداء إلى الاستماع والانخراط في أطوار ومراحل الأغنية غناء وعزفا ورقصا.

التعريضة : اندماج كلي بين كل العناصر المكونة لهذا الحدث الفني، أي دخول المتلقي كليا ضمن المرحلة الأخيرة للأغنية، ختامها يكون عادة تعبيرا بالرقص الفردي أو الجماعي.

أما بعض الدراسات وبعض "المعلمين" فيتفقون على أن للأغنية الجبلية ثلاثة محاور وهي :

الفراش : وهي الطقطوقة الموسيقية التي تسبق الأغنية، وهي نداء إلى المتلقي للدخول في إطار الأغنية وإثارة الانتباه، ومن خلال هذه المقطوعة يمكن معرفة الأغنية التي ستغنى لاحقا.

الغطاء : قلب الأغنية التي تحمل بين طياتها خبرا مبطنا لحدث اجتماعي أو ثقافي أو فني ذو دلالات عاطفية – طبيعية – تاريخية...

الحساب : المرحلة الأخيرة من أطوار الأغنية، حيث تكون قد استوفت شروط التبليغ والاخبار ثم انخرطت فرديا أو جماعيا في لحظة اندماج كلي للتطيب والانتعاش الشعوري الذي يعبر عن الفرح والسعادة.

ولهذه الأقسام مسببات ودوافع قامت عليها الأغنية، فنلاحظ عند نمط "الكباحي" (وهو نمط يحمل بين طياته أخبار المآسي والأحزان) لا يمكن للأغنية أن تشمل مرحلة الحساب – التعريضة لما في هذه الأخيرة من جو التطريب والتنغيم.


كما حددت دراسات أخرى الألات التي أدخلها الهلاليون معهم وهي:

الشبابة : وهي قصبة للنفخ أكبر من الناي.


الرباب العربي : وهو ذو وترين إثنين في مقابل الرباب السوسي ذي الوتر الواحد و"الدف" ("المربع" قديما). وقد أفضى تسرب هذه الألات والمعطيات إلى نشوء ظاهرة الجوق الشعبي المستعرب في مناطق السهول، وهو جوق تميزه خاصيتان أولهما إدخال ألات تختلف في طبيعة تركيبها وطريقة استخدامها عن الألات المستعملة في الأغاني الأمازيغية، والثانية اعتماد أسلوب في الغناء يقوم على ألحان خاضعة لأوزان شعورية زجلية مستحدثة، وفي كتاب افريقيا لمارمول كاريخال ذكر أن : أعراب منطقة نوميديا يتغنون بقصائدهم المقفاة الموزونة على أنغام الدف والعود والكمان.

أما الفيول فهي عبارة عن إحدى صور الرباب العربي في مرحلة من مراحل تطوره نحو الكمان.


وفيما يخص المنطقة الشمالية من المغرب، ونعني بها منطقة الريف الموزعة على كتلتين بشريتين على حد تعبير الأستاذ التوفالي (كتلة شمالية غربية تتكلم اللهجة الدارجة المغربية – وكتلة شمالية شرقية تتحدث بالأمازيغية الريفية)، حيث يعتبر أن الألات الموسيقية المتوفرة بالريف بكثرة هي ألات الطرق مثل : أجون أو الدف ثم الخذنة أو الغيطة ثم ثامنجا أو الناي، وغالبا ما تستعمل الشبابة، كما أنه من الملاحظ أن أهل الريف لا يستعملون الألات الوترية إلا قليلا، حيث اخذوا ألات النغم والطرق.

إن الأغنية الشعبية في بلادنا لا تستقر على نمط أو صنف أو لون، هي مع المجالي أعداد كثيرة، ومع التنوع الجغرافي والطبيعي أنواعا متنوعة، للجبل أنماطه وألوانه، وللسهول محتوياته الغنائية، وللسفوح والهضاب كذلك، وللسواحل كما للصحاري أصنافها، لكل من شرق البلاد وغربها شمالها وجنوبها غناء متنوع ومتعدد بشكل يجعل أحيانا لكل منطقة غناؤها الخاص بها ايقاعا وانشادا وكلاما وعزفا وتوقيعا، مع التنوع اللغوي طبعا بين لهجات دراجة محلية وأمازيغية : تامازيغت، تاشلحيت، تاريفت...، ويتضمن كل طيف لغوي أصنافا وأنماطا غنائية متعددة.

تتركب الطقطوقة الجبلية من ثلاثة أنماط غنائية أساسية وهي : نقل الخبر – انتقاد الوضع (هذين النمطان يعتبران من صنف العيطة أي اشتقاقها من لفظة عيط) بينما النمط الثالث وهو التغني بجمال الطبيعة والغزل المقتبس من الأنماط الأندلسية المعروفة والمشهورة بهذا المجال الرائع، لا يعتبر من صنف العيطة بقدر ما هو صنف رومانسي حالم لا يخرج عن مجاله أيام السلم.

أما العيطة هي ذلك الغناء الذي يبتدئ بنداء، وفي اللوازم تتخلله نداءات إلى جانب كونه غناء مركبا لا يحتمل الجزء الواحد، وأقصد به هنا ميلوديا واحدة وايقاعا متشابها وبحرا من البحور اذ انه غالبا ما تتغير الميلوديا في الجزء الثاني، وكذا الايقاع والبحر الذي يطول او يقصر، قد يصبح بسيطا او متوسطا.

ان العيطة اشبه ما تكون بالقصة المفتوحة والتي يظل موضوعها بكيفية مستمرة عرضة للتحوير والزيادات، ويهيمن فيه الارتجال الحر للناظمين، يزيدونه ثراء ونماء، ويفرغون فيه ما تعترض حياتهم من مأسي وأفراح، وما يجيش في نفوسهم من أماني وأمال، حتى بات من العسير الوقوف على المؤلفين الحقيقيين للعيطات المتداولة، والعيطة وفقا لذلك لا تخرج عن الصفة العامة للغناء الشعبي.

يمكن القول ان التأليف بدأ فرديا على يد فرد، واستمر ايضا يقوم به أفراد، ولكنه انتهى إلى أن أصبح جماعيا، فقد اختفى الفرد وتسلل المجتمع تسللا غير محسوس إلى الدائرة، ليفرض وجوده عن طريق الافراد ذاتهم، وقلما نتعرف في الفنون العيطة على اسم المؤلف كما هو معمول به في طرب الملحون او طرب الالة مثلا...

هنا لا بد من ادخال الطقطوقة الجبلية ضمن مجال العيطة سواء من حيث التعريف الذي يعتمد النداء كمرجع في التسمية والذي نجده في العيوط بمختلف انماطها وانواعها وامكنتها، او من حيث الغناء المركب والميلوديا والألات الوترية والايقاعية والتعريضات.

اما انماط العيوط الموجودة بالمغرب فهي تنقسم الى قسمين اثنين :

عيوط رئيسية وهي : الجبلي – الحصباوي – المرساوي - الحوزي - الدوايس.

وعيوط فرعية مثل : الزعري – الخريبكي – الشياظي – الغرباوي – الساكن الذي يعتبر قاسما مشتركا بين كل الانماط السالفة الذكر، سواء منها الرئيسية او الفرعية.

كما من المعتاد ان ينتقل الاشياخ والشيخات افرادا او جماعات بين المدن والقرى المجاورة او المتباعدة طلبا للعمل او للاسترواح او غشيان مواسم الاولياء، حيث كان يتم خلال هذه الانتقالات كثير او قليل من الاخذ والعطاء والتبادل بين الرباعيات المختلفة، وقد نتج عن ذلك تلاقح في العيطة الشعبية موضوعا، كمظهر من مظاهر الوضع الذي عرفت به نفسها، والمتمثل في نبذ الثبات والاستقرار المميت لكل فن، والنشدان الدائم لتجديد شكلها ومضمونها.

ان من مميزات العيطة الجبلية انها سهلة الاداء والعزف الى درجة تجعل جميع الشيوخ يغنون الجبلي، فهي لا تتوفر على فصول كثيرة، كما تتميز بليونتها ورقتها الى درجة ان المستمع للطقطوقة الجبلية يطرب وينجذب بخلاف العيوط الاخرى الخشنة مثل جهجوكة.

ان الطقطوقة الجبلية تقدم صورة رقيقة عن الزراعية والرعوية التي احتضنتها، ولا تذهب بعيدا في التوضيح، انما تقتصر على الاشارة العابرة لبعض المكونات البيئية، كتمجيدها واطرائها على صفات الشجاعة والاقدام التي تكون مطلوبة في رجال القبائل وسادتها خلال الحقب المتقلبة من تاريخ المغرب، والطابع التعبيري عن هذه الحقب.

ان العزف في الطقطوقة الجبلية اذا كان على "الكنبري" فيتم بثلاثة اوتار متكاملة واذا كان على الكمان يتم كذلك بثلاثة اوتار متكاملة وبالسلم الموسيقي الخامس المتكامل، وتقع المساوية في لوتار او في الكمنجة المساوية العصرية المعروفة في الوقت الحاضر، اما في العود فيستحسن ان يساوي الوتر الثاني في صول والتدرج معه الى الوتر الخامس على اساس ان الجبلي خلافا للغناء العصري يبدأ من أخشن الأصوات وينتهي الى أدقها.

0 commentaires

شارك بتعليقك

رسالة أحدث
رسالة أقدم
الصفحة الرئيسية | جميع الحقوق محفوظة لـ موقع تاونات سيتي | مع تحيات إدارة الموقع