الناشر "
Unknown
" فى 4:13 ص
اليسار النقابي : تثوير للعمل النقابي أم تكريس للواقع؟ قراءة في تجربة الاتحاد المغربي للشغل بتاونات
بقلم : ذ علي الغازي
من موقع الالتزام مع اليسار ورؤيته وبرنامجه نفتتح هذه السلسلة من المقالات التي لا تعدو كونها ملاحظات ورؤس اقلام او للدقة اسئلة تتغيى فتح باب النقاش بين اليساريين حول مجالات عملهم واشتغالهم ,وخاصة بالمنظمات الجماهيرية، وهي مقالات غايتها الوقوف على نقط ضعف الممارسة النقابية لليسار بغاية تصويبها في الاتجاه الذي يجعلها رافعة لتطوير وتعظيم نفوده داخل المنظمات النقابية في افق صيرورته قوة قائدة من موقع المغايرة والنقيض للممارسة البيروقراطية اليمينية المهيمنة بالحقل النقابي.
من نفس الموقع اياه، نثير نقطة هامة انه ورغم ما يسود علاقة اطراف ومكونات اليسار ببلادنا وباقليم تاونات خاصة من تشنجات وافتعال لخلافات مجانبة للحقيقة والواقع الذي يؤكد ان القواسم المشتركة بين الفرقاء اليساريين والتي توحدهم كبيرة على عكس ما يوحي به واقع العلاقة القائمة انيا .فاننا نسعى في هذه المقالة الى تعظيم وتوفير مناخات الوحدوية والجبهوية والتحالف والترفع عن السباب وكيل الاتهامات المجانبة والتي تتخد لنفسها مظاهر شخصنة الصراعات والاختلافات. وسنحرص على اعتماد مقاربة موضوعية وعلمية وهي مهمة صعبة خاصة وانها تنهل من نفس المدرسة التي يعلن اليسار المنتقد اعتماده مرجعية فكرية وتوجيهية في مقارباته للواقع المغربي وقضاياه وهذا سيجعل مهمة النقد من هذا الموقع جد معقدة وصعبة.
كما نثير ان نقاشنا سينصب على العمل / الممارسة النقابية لليسار داخل منظمة الاتحاد المغربي للشغل دون الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لاعتبار كونها الاطار الذي اسسه اليسار ويأتلف داخله مما يسمح له بمساحات كبيرة بتطبيق رؤاه وتصوراته للعمل النقابي وفق ما اختطه هذا اليسار بادبياته ومؤتمراته واجتهادات قادته ومنظريه.
1 / تاسيس الاتحاد المغربي للشغل بتاونات : الخلفيات والرؤية.
تاسيس الاتحاد المغربي للشغل بتاونات لم يات نتيجة رد فعل على انسداد افاق الممارسة داخل نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وخاصة النقابة الوطنية للتعليم، بعد تنظيم الاخوة الاتحاديين انذاك ( التسعينات من القرن الماضي ) الانقلاب على الرموز النقابية اليسارية التي اسست للعمل النقابي بتاونات واسهمت في تطويره في زمن الرصاص والجمر، وهو الانقلاب للاسف الذي نسقت فصوله واشرفت عليه مصالح وزارة الداخلية بعمالة اقليم تاونات. بل جاء نتيجة مسار طبيعي وتفاعل خلاق مع مستجدات الساحة النقابية والسياسية والجمعوية ( تاسيس فرع منظمة العمل الديمقراطي، انضاج شروط الفرز بين التيارات المنخرطة في عملية تجميع اليسار المنبثق من تجربة الحركة الماركسية اللينينية، هيكلة التنظيمات الاقليمية لحزب الطليعة، استقلال فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بتاونات عن غفساي وتاسيس فروع جديدة، تاسيس فروع حركة المعطلين....) ونتيجة نقاش استغرق سنوات طوال اداره قلة من الاطر والمناضلين ( الغازي، المنصوري واحديود، بنخضرة، الفركاني ...) جمعت بين القيادة الاقليمية لحزب الطليعة في شخص كاتبه الاقليمي انذاك والقيادة المحلية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي والنهج الديمقراطي في شخص الكاتب العام والمنسق المحلي فضلا عن مناضلين يساريين مستقلين من رجال التعليم، نقاش انتهى الى الخلاصات التالية :
- الكنفدرالية الديمقراطية للشغل اثبتت انها نقابة مناضلة وأكثر تأثيرا وقوة ونفوذ في أوساط الشغيلة بكافة فصائلها وخاصة الوظيفة العمومية. مواقفها انذاك مشرفة وتعكس طموحات اليسار وبالتالي إمكانية الرهان العام والوطني على دورها في تغيير موازين القوى الاجتماعية والسياسية له ما يبرره في الواقع التاريخي الملموس، فضلا عن انه اقليميا ومحليا اغلب باقي فروع القطاعات النقابية (الجماعات والبريد وبدرجة اقل الصحة) تحضا بتواجد قوي ومن موقع التسيير والقيادة لمناضلي اليسار. لكن قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تظل حبيسة للمناورات السياسية للاتحاد الاشتراكي ولحسابات وصراعات أجنحته المتصارعة (جناح الأموي وجناح اليازغي قبل الانشقاق) مما يفقد المعارك النقابية الوطنية عمقها الاستراتيجي ووضوح الافق. وهو الواقع الذي فرض بيروقراطية/مركزية متشددة في علاقة القيادة النقابية بالقاعدة خاصة على مستوى تدبير المعارك المطلبية على المستوى المحلي وتجديد الهياكل والنخب وهي عملية كانت مدروسة ومخطط لها من طرف جناح الأموي في إطار صراعه مع جناح اليازغي بالحزب (لا بد من التذكير هنا بقرارات المكتب التنفيذي التي كانت تشترط موافقة القيادة على ايه معارك محلية او تجديد الفروع واحداثها ..)
- بالمقابل الاتحاد المغربي للشغل كان حينها يعيش وضعية جمود وغياب تام على مستوى النضالات النقابية الوطنية بفعل ارتهان القيادة البيروقراطية للنقابة للحكم المخزني وخضوعها لحساباته السياسية عبر توظيفها في إجهاض المعارك النقابية الكبرى (الإضرابات العامة) وتكسير وحدة المعارك العمالية والمأجورين وتزكية الحوارات التناورية التي كانت تديرها اجهزة الدولة وبخاصة وزارة الداخلية. وبالمقابل كانت الفروع والقواعد النقابية لهذه النقابة تعيش نهوضا تنظيميا وحركيا بطوليا في اغلب المواقع العمالية (المناجم، الموانىء، القطاع الصناعي،...) مما كان يؤشر الى وجود مساحة كبيرة من حرية المبادرة في المعارك الاحتجاجية والمطلبية وانتعاشا في توسع القاعدة التنظيمية للنقابة وبخاصة في اوساط قطاع الوظيفة العمومية ولو ان هذا كان ضمن خطة منهاجية ومدروسة من القيادة بعد ان بدات تظهر مؤشرات انخراط الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وبالتبعية الكنفدرالية في مسارالتوافق الطبقي مع التحالف الطبقي السائد والاتجاه نحو المشاركة المحدودة في ادارة الحياة السياسية مع نظام الحكم الفردي ببلادنا ,وكان غرض القيادة البيروقراطية البورصوية خلق توازنات جديدة ضمن خريطة الصراعات الاجتماعية والسياسية.
- مناضلي اليسار (وهم مؤسسي العمل النقابي بتاونات وبناته) لا يمكنهم الارتهان للواقع والقبول بالجمود والاستكانة وترك المجال النقابي محليا واقليميا فارغا او تركه للاتحاد الاشتراكي لتدمير رصيد النضالات العمالية المغربية وقادته الكبار من الشهداء والمعتقلين او المتاجرة به في المعارك الانتخابية وتقاسم السلطة من موقع الاقلية التابعة للسلطة المخزنية. او القبول بالامر الواقع عبر تبوء بعض المواقع النقابية القطاعية والعمل وفق اجندة ويومية القيادة النقابية للكنفدرالية.
- الخلاصة الكبرى والاهم تنبي الاختيار القاضي بالعمل ضمن تنظيمات الاتحاد المغربي للشغل للاعتبارات السالفة الذكر وخاصة استغلال واستثمار المساحات الواسعة من حرية المبادرة والتقرير والممارسة الاحتجاجية والمطلبية وفقة عملية هيكلية شاملة وشمولية للاقليم والقطاعات تولت الشغيلة التعليمية تدشين وقيادة قاطرتها .
بقيت الإشارة الى ان هذا النقاش وان كان اتخد طابعا مركزيا ومنحصرا بين المجموعة القيادية التي ذكرت انفا فانه اعتمد قاعدة المقاربة التشاركية،عبر استطلاع راي الشغيلة بالقطاع التعليمي التربوي والجماعات والبريد والصحة وغيرها من القطاعات، باعتماد تقنية المقابلة والاستمارة التي تجاوزت الخمسمائة شملت عينة عشوائية، والتي أكدت نفس الخلاصات التي انتهى اليها الرفاق في نقاشهم المركزي وأجمعت على نفس الخيار، وهي الخلاصة الميدانية التي عجلت بانطلاقة المشروع وحسم التدبدب الذي كان يطبع شريحة واسعة من مناضلي حزب الطليعة وخاصة المرتبطين بالعمل النقابي ( للتذكير الطليعة نظمت ندوة تقريرية حول الموضوع انتهت فيها الى رفض خيار الاتحاد المغربي للشغل ولم يتغير الموقف الا بعد معاناة ونقاش متواصل بين المناضلين استغرق شهور متواصلة).
لعل القارئ يتساءل او سيتساءل وفق اية رؤية اعتمد اليسار خيار العمل ضمن تنظيمات الاتحاد المغربي للشغل ؟
مع إدراك اليسار لما لخيار العمل ضمن تنظيمات الاتحاد المغربي للشغل من مخاطر على مستوى المر دودية من حيث تعظيم نفود التوجه اليساري المكافح داخل الحركة النقابية المذكورة خاصة على مستوى تصدر القيادة الوطنية لها، فان التوجه كان مبنيا على رؤية شمولية اعتمدت الجغرافية/الاقليم كمحور اساس للممارسة البديلة للعمل النقابي وقاعدة الارتكاز لتطوير الاداء وتوسيعه.
وهكذا تضمنت الرؤية خمسة عناصر أساسية متداخلة ومترابطة :
1 / الحسم مع الازدواجية في تولي المهمات النضالية التنظيمية واعتماد مبدا التخصص بحيث يتفرغ مناضلي اليسار دوي الارتباط بقطاعات الوظيفة العمومية والشبه العمومية والخاصة للعمل النقابي وجعله اولية في مهامهم النضالية مع مراعاة الاقتصاد في تدبير الطاقات البشرية المناضلة وترشيد استثمارها حسب البرامج وخطط النقابات.
2 / الاشتغال وفق تصور للعمل النقابي يدمج بين مكونات العملية النضالية الثلاثية المستويات والوظائف :
أ / بناء تنظيمات نقابية قطاعية ومحلية واقليمية مهيكلة وفق الية ميسرة ومرنة تعتمد الديمقراطية الداخلية في التنظيم والتقرير وتراعي الحق في الاختلاف.
ب / جعل التنظيم النقابي الى اداة ومدرسة للتكوين في مختلف المجالات دات العلاقة بالعمل النقابي وارتباطاته من خلال دورات تدريبية وتكوينية للمنخرطين والاطر المسيرة.
ج / اعتماد خطط منهاجيه لتاطير المنخرطين والقاعدة العريضة لجيش الموظفين والمستخدمين وشغيلة القطاع الخاص (الضيعات الفلاحية، شغيلة المقاهي...) عبر التواصل المباشر بمواقع العمل والسبورات النقابية والأنشطة الإشعاعية حول المواضيع التي تلامس قضاياهم وانشغالاتهم فضلا عن تبني برامج مطلبية وخوض معارك نضالية متواصلة تعمد القضايا المحلية للقطاعات وذات الارتباط بالمصالح الخارجية للوزارات او المؤسسات المنتخبة وملاك القطاعات الإنتاجية الخاصة.
3 / بلورة مخطط نضالي على المدى البعيد يستحضر الواقع السائد داخل قيادة المركزية يتاسس على قاعدة مراكمة مقومات وشروط التاسيس لتيار نقابي منسجم وموحد على الصعيد الوطني من خلال السعي عبر التنظيمات السياسية لمكونات اليسار من اجل تعميم التجربة والدعاية لها والتخطيط لنموها وانتشارها لصناعة التحول النوعي المنشود داخل المنظمة النقابية.
4 / اعتماد معيار مصلحة الشغيلة بكل اصنافها ومكوناتها قاعدة لمقاربة المعارك النضالية التي تخوضها باقي التنظيمات النقابية العاملة داخل الساحة الاقليمية وتغليب التوجه الوحدوي في التعاطي مع النقابات بدل السقوط في النزعات الاحادية الجانب السائدة داخل التنظيمات النقابية وكلك في تبني القضايا المطلبية للشغيلة بغض النظر عن انخراطها ضمن تنظيمات الاتحاد المغربي للشغل ام العكس.
ولابد من الاشارة في هذا الباب الى ان اغلب مقومات هذه الرؤية جاءت ضمن بلاغ التاسيس الصادر عن الجمع العام التاسيسي للجامعة الوطنية للتعليم التي شكلت قاطرة التحول النقابي المتحدث عنه وهو البلاغ الذي جاءت صياغته من طرف الاخ الفركاني والذي شكل في بدايته قطيعة مع المنهجية والتصورات التي سادت الحقل النقابي محليا واقليميا وخاصة داخل النقابة الوطنية للتعليم بقيادة الاخوة الاتحاديين.
5 / بموازاة مع هذا الجانب من الرؤية التاسيسية لممارسة يسارية وجديدة للعمل النقابي ولضمان نجاحها وانتشارها كان التصور يشتغل على بلورة قيادة سياسية صلبة في مواقفها ومبدئية في تعاطيها مع النضالات المحلية والاقليمية باهداف دقيقة ومحددة وواضحة فضلا عن تسلحها بخطط منهجية دات افق عام وهي المهمة التي كانت مسندة للقيادات المحلية والاقليمية لمكونات اليسار في حينه خاصة بين الطليعة والنهج لما كان بينهما من تنسيق مركزي محلي اقليمي بلغ مستويات جد متقدمة اتخدت من عقد ندوات وطنية مشتركة بين التنظيمين حول القضايا الكبرى وعقد اجتماعات مشتركة للهيئات القيادية التقريرية والتنفيدية. بالموازاة مع تفعيل وظائف باقي المنظمات الجماهيرية الموازية وبالخاصة الحقوقية والمعطلين والجمعيات الثقافية وعلى قاعدة التخصص والتفرد كل حسب موقعه ونوعية وطبيعة القطاع والجبهة التي يشتغل ضمنها ووفق ضوابطها الادبية / التوجيهية والتنظيمية.
في ضوء ما سبق نتساؤل : كيف مارس يسارنا بتاونات هذه الرؤية ؟
2 / التجربة النقابية للاتحاد المغربي للشغل بتاونات من التاسيس الى الان. او اختبار الرؤية / التصور في الواقع.... ( يتبع)